سورة المؤمنون - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} يعني التوراة، وخص موسى بالذكر لان التوراة أنزلت عليه في الطور، وهارون خليفة في قومه. ولو قال: {ولقد آتيناهما} جاز كما قال: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ} [الأنبياء: 48].


{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (50)}
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} 50 تقدم في {الأنبياء} القول فيه. {وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ} 50 الربوة المكان المرتفع من الأرض، وقد تقدم في البقرة. والمراد بها ها هنا في قول أبى هريرة فلسطين. وعنه أيضا الرملة، وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال ابن عباس وابن المسيب وابن سلام: دمشق.
وقال كعب وقتادة: بيت المقدس. قال كعب: وهى أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. قال:
فكنت هميدا تحت رمس بربوة *** تعاورني ريح جنوب وشمال
وقال ابن زيد: مصر.
وروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير: {وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ 50} قال: النشز من الأرض. {ذاتِ قَرارٍ} 50 أي مستوية يستقر عليها.
وقيل: ذات ثمار، ولأجل الثمار يستقر فيها الساكنون. {وَمَعِينٍ} 50 ماء جار ظاهر للعيون. يقال: معين ومعن، كما يقال: رغيف ورغف، قاله علي بن سليمان.
وقال الزجاج: هو الماء الجاري في العيون، فالميم على هذا زائدة كزيادتها في مبيع، وكذلك الميم زائدة في قول من قال إنه الماء الذي يرى بالعين.
وقيل: إنه فعيل بمعنى مفعول. قال علي بن سليمان: يقال معن الماء إذا جرى فهو معين ومعيون. ابن الاعرابي: معن الماء يمعن معونا إذا جرى وسهل، وأمعن أيضا وأمعنته، ومياه معنان.


{يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: روى الصحيح عن أبى هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} [البقرة: 172]- ثم ذكر- الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك».
الثانية: قال بعض العلماء: والخطاب في هذه الآية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه أقامه مقام الرسل، كما قال: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] يعني نعيم بن مسعود. وقال الزجاج: هذه مخاطبة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا، أي كلوا من الحلال.
وقال الطبري: الخطاب لعيسى عليه السلام، روى أنه كان يأكل من غزل أمه. والمشهور عنه أنه كان يأكل من بقل البرية. ووجه خطابه لعيسى ما ذكرناه من تقديره لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشريفا له.
وقيل: إن هذه المقالة خوطب بها كل نبى، لان هذه طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها. فيكون المعنى: وقلنا يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، كما تقول لتاجر: يا تجار ينبغي أن تجتنبوا الربا، فأنت تخاطبه بالمعنى. وقد اقترن بذلك أن هذه المقالة تصلح لجميع صنفه، فلم يخاطبوا قط مجتمعين صلوات الله عليهم أجمعين، وإنما خوطب كل واحد في عصره. قال الفراء: هو كما تقول للرجل الواحد، كفوا عنا أذاكم.
الثالثة: سوى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام، ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: {إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} صلى الله على رسله وأنبيائه. وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم. وقد مضى القول في الطيبات والرزق في غير موضع، والحمد لله.
وفي قوله عليه السلام: «يمد يديه» دليل على مشروعية مد اليدين عند الدعاء إلى السماء، وقد مضى الخلاف في هذا والكلام فيه والحمد لله. وقوله عليه السلام: «فأنى يستجاب لذلك» على جهة الاستبعاد، أي أنه ليس أهلا لاجابة دعائه لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلا ولطفا وكرما.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10